أود بدايةً أن أتطرق إلى موضوع شغل الرأي العام الصحي في الأردن وبعض دول الإقليم في الآونة الأخيرة ولا زال مستمراً، حتى أنه خلق نوعاً من الضغط على المؤسسات الصحية الوقائية والعلاجية، هذا الأمر ولّد تكهنات واستفسارات كثيرة لدى جميع الأطراف، ولدى الإعلام على وجه الخصوص، الذي بادر بالغوص في دهاليز المعلومات لمعرفة المزيد عن حمى غرب النيل. وقد تكون المعلومات المقدمة صحيحة في معظم الأوقات، أو غير دقيقة ومضخمة في بعض الأحيان، وبالتالي، كان لا بد لي من التطرق إلى موضوع حمى غرب النيل من منظور أوسع وأشمل، لتبنى عليه أي خطط للاستعداد والاستجابة على المستوى الوطني والإقليمي مستقبلاً.
ما يندرج على حمى غرب النيل من إجراءات الاستعداد والجاهزية والاستجابة، فإنه يندرج على كافة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان وأي وسائط ناقلة لأي من هذه الأمراض. وإن كان هناك اختلاف في جوانب عدة من حيث العلاج والمطاعيم وتوفرها لبعض الأمراض، إلا أنها في المجمل تحتاج إلى نهج واحد للتعامل معها، إذ باتت تتزايد في الآونة الأخيرة أهمية فهم الروابط الوثيقة بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، خصوصاً في ظل التحديات الصحية والتغيرات المناخية المعاصرة.
يبرز من بين هذه التحديات فيروس حمى غرب النيل كنموذج يوضح التفاعل المعقد بين هذه العناصر (الإنسان والحيوان والبيئة) وأثره على الصحة بشكل مباشر وعلى القطاعات المختلفة بشكل عام بما فيها الاقتصاد والسياحة وغيرها. حيث يمثل هذا المرض ،المسمى نسبةً لمنطقة اكتشافه الأول في أوغندا،الروابط بين الصحة البشرية والحيوانية والبيئية تتجلى في طريقة انتقال الفيروس بين الطيور والبشر عبر البعوض المصابة، في ظل التغيرات البيئية والاجتماعية، تزداد فرص انتقال الأمراض بين الكائنات الحية، مما يستدعي تعاوناً متكاملاً بين القطاعات المختلفة للتصدي لهذه التحديات والعمل كفريق عمل واحد متعدد القطاعات بما فيها الصحة، والزراعة، والبلديات، والبيئة، والمياه، و غيرها. كما أصبح من الضروري جداً إشراك المجتمعات المحلية في سبل وأطر المكافحة والوقاية من هذه الأمراض، حيث تعد المجتمعات جزءاً في غاية الأهمية للتصدي لهكذا أمراض وتحديات متعددة القطاعات.
تظهر الاحصاءات العالمية والإقليمية أن أكثر من نصف الأمراض السارية الجديدة (70%) تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان. ولحماية الصحة بشكل مباشر والقطاعات الأخرى ذات العلاقة، يجب علينا تعزيز التنسيق بين القطاعات المختلفة مثل الصحة، والزراعة، والبيئة، وتعزيز الرصد المبكر والتدخل السريع في حالات التفشي لدى الحيوان و الانسان، كما يجب تعزيز الوعي بأساليب الوقاية من الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات مثل استخدام طاردات البعوض والحد من التدخلات البشرية الضارة بالنظم الإيكولوجية.
باستخدام حمى غرب النيل كنموذج، نتعلم أن التحديات الصحية تتطلب استجابة متكاملة وتعاوناً عابراً للقطاعات، إن مفهوم الصحة الواحدة ليس مجرد نظرية بل هو إطار عمل عملي يساهم في تعزيز الصحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة. من خلال فهمنا لهذه الروابط وتطبيقها على الواقع، نستطيع تعزيز جهودنا للحد من انتشار الأمراض، وتعزيز صحة المجتمعات بشكل شامل وفعّال، وكذلك المحافظة على القطاعات الأخرى ذات الصلة.
تؤكد مفاهيم الصحة الواحدة أن صحة الإنسان لا يمكن فصلها عن صحة الحيوانات والنظم الإيكولوجية المحيطة به، فالتداخلات البيئية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في انتشار الأمراض.
نشر هذا المقال على موقع عمون الإخباري وتم أعادة نشره على موقع رؤيا نيوز.