مراهقون بين الألم والأمل: جيل تحت النار

في أزقة غزة المكتظة، حيث يختلط صدى القصف بأنين الأمهات، يعيش المراهقون واقعا لا يليق بأعمارهم. جيلٌ خُلق لينمو في المدارس والحدائق، لكنه وجد نفسه محاصرا بين الركام والملاجئ. تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) تشير إلى أن أكثر من نصف شباب غزة يشعرون بانعدام الأمان منذ اندلاع الحرب، وأن 91% منهم أفادوا بتدهور صحتهم. أما الفتيات، فهن الأكثر معاناة بفعل غياب الخصوصية وضعف الوصول إلى منتجات النظافة.

وفي استطلاع أجرته مؤسسة جذور للإنماء الصحي والاجتماعي، ظهر أن نحو 61% من المراهقين يعانون من القلق، فيما أبدى 58% أعراضا واضحة للاكتئاب. هذه الأرقام ليست مجرد نسب، بل هي انعكاس لوجوه متعبة وأرواح تتأرجح بين الحياة والخوف.

الوضع في اليمن لا يقل مأساوية؛ أكثر من نصف الأطفال هناك يعيشون مشاعر الحزن والاكتئاب، بينما يعاني 19% من القلق الدائم. أما في شمال سوريا، فقد أبلغت نسبة كبيرة من المراهقين عن ضائقة نفسية، وفي السودان تقول طفلة في الحادية عشرة: «حتى في أحلامنا نرى هذه الأشياء الرهيبة ليلاً»، عبارة تختصر حجم المعاناة.

إلى جانب الأزمات النفسية، ينهش الجوع أجساد المراهقين. في اليمن، يعاني أكثر من 2.7 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، ويواجه نصف الأطفال دون الخامسة خطر التقزم. وتشير تقارير UNFPA إلى أن 1.5 مليون امرأة وفتاة في سن الحمل أو الرضاعة يعانين من سوء التغذية. في السودان، يواجه نحو 4 ملايين طفل خطر سوء التغذية الحاد، بينهم 730 ألفًا في حالة حرجة. أما في غزة، فقد وصفت اليونيسف مطلع 2024 الوضع بقولها: «آلاف الأطفال على شفا المجاعة».

التعليم، خط الأمل للمستقبل، انهار هو الآخر. في السودان، هناك ما يقارب 19 مليون طفل خارج المدرسة. في سوريا، دُمّرت أو تضررت أكثر من 7,000 مدرسة، ما حرم 2.4 مليون طفل من التعليم. في اليمن، خرج 4.5 مليون طفل من الدراسة بحلول 2023. أما غزة، فقد تضرر 90% من مدارسها، لينقطع مئات آلاف المراهقين عن حقهم في التعلم.

وسط هذه المآسي، تواجه الفتيات تهديدات مضاعفة. في اليمن، هناك نحو 4 ملايين زوجة طفلة، منهن 1.4 مليون تزوجن قبل سن الخامسة عشرة. النزاع فاقم هذه الظاهرة، إذ تتزوج واحدة من كل خمس فتيات نازحات مقارنة بواحدة من كل ثماني في المجتمعات المستضيفة. في غزة، دفعت الأزمات الاقتصادية بعض الأسر إلى تزويج بناتهم مبكرا. وفي السودان، وثقت الأمم المتحدة زيادة حادة في حالات العنف الجنسي ضد الفتيات منذ اندلاع القتال.

لكن المراهقين ليسوا مجرد ضحايا. إنهم ناجون أثبتوا صمودهم، ومساهمون قادرون على حمل مسؤوليات تفوق أعمارهم. كثيرون يعملون لإعالة أسرهم، وآخرون يتشبثون بالتعليم حتى في الخيام.

المخاطر التي تحيط بهم لا تنتهي بانتهاء الأزمات؛ بل تترك ندوبها لسنوات طويلة، لتصوغ مستقبل المجتمع بأسره. لذلك، لم يعد كافيًا توصيف المأساة، بل بات لزامًا البحث عن حلول عملية تستجيب لواقعنا. الأولويات واضحة: دعم الصحة النفسية، مواجهة سوء التغذية، ضمان التعليم البديل، وحماية الفتيات من الزواج المبكر والعنف.

كما قالت المديرة الإقليمية لليونيسف: «لا يمكننا الانتظار حتى يحل السلام، بل ينبغي أن نعمل الآن لضمان الخدمات الأساسية وتعليم المهارات لهؤلاء اليافعين». إنقاذ هذا الجيل ليس ترفًا، بل استثمار في مستقبل أوطاننا واستقرارها. فالمراهق الذي يدرس على ضوء شمعة في غزة، أو يعمل في سوق صنعاء، أو يحمل ماءً في شوارع الخرطوم، قد يكون هو الطبيب أو المعلم أو باني السلام غدًا.

نشر هذا المقال في صحيفة الرأي