إلى جميع الكوادر الصحية في غزّة،
إليكم أنتم الذين حملتم رسالتكم المهنية والإنسانية في أصعب الظروف،
وعملتم لأكثر من عامين متتاليين تحت ضروبٍ من المعاناة لم تعرف لها البشرية مثيلاً.
لقد كنتم، بحق، خطَّ الدفاع الأول عن الحياة،
حين تهاوت البنى التحتية، وانقطعت الإمدادات، وامتلأت المستشفيات بما يفوق طاقتها،
لكنكم ظللتم هناك، ثابتين، لا تتركون مريضًا بلا دواء،
ولا جريحًا بلا ضماد، ولا طفلًا بلا لمسةِ رحمةٍ تُعيد له الإحساس بالأمان.
لقد مثّلتم جميعًا الضمير الحيّ للقطاع الصحي في غزة،
ففي الوقت الذي تعطّلت فيه المنظومات، ظلّ الإنسان فيكم يعمل بلا كلل.
كنتم تُديرون المستشفيات و المراكز الصحية بمصادر محدودة، وتُقدّمون الرعاية في الملاجئ والمنازل،
وتنقلون الأدوية عبر الممرات الضيقة والخطرة،
وتُنسّقون مع المنظمات الإنسانية لتأمين المساعدات،
وتواصلون العمل رغم الخطر، لأن الإحساس بالواجب أقوى من الخوف.
إن ما قدّمتموه سيبقى شاهدًا على معنى الالتزام المهني حين يمتزج بالإنسانية.
لقد وصلت المساعدات الطبية والدوائية و الصحية إلى غزة بجهود مشتركة
من بعض الدول و المنظمات الدولية والإقليمية والشركاء المحليين،
لكن ما أبقاها فاعلةً هو وجودكم أنتم
العاملون في الخطوط الأولى، الذين حوّلوا المستحيل إلى واقعٍ ممكن.
إلى كلّ من يقف في الميدان،
لكم كل التقدير والامتنان،
فأنتم الأمل الذي لم ينطفئ، رغم الظلام،
والشهادة الحيّة على أنّ الصحة والرحمة صنوان،
وأنّ المهنية لا تُقاس بعدد الساعات، بل بعمق الأثر في أرواح الناس.
إنّ التاريخ سيذكر هذه المرحلة لا بوصفها حربًا فحسب،
بل كحقبةٍ استُهدف فيها القطاع الصحي بأكمله،
حيث نُفّذت هجماتٌ ممنهجة على المستشفيات والمراكز الصحية،
دفعت الكوادر الصحية ثمن التزامها غاليًا، فاستُشهد المئات وجُرح الآلاف وهم يؤدّون واجبهم الإنساني،
إلى جانب الألوف من المدنيين الأبرياء الذين طالهم القصف والحصار.
لقد كانت حربًا على حق الإنسان في الحياة، وعلى صوت الضمير الإنساني ذاته،
ومع ذلك وقفتم صامدين، تُمارسون مهنتكم بأخلاقٍ نادرةٍ وشجاعةٍ خالدة.
وأخيرًا، بعدما كتب الله لكم النجاة من الموت المحتَّم،
فلن ننسى أبدًا إخواننا وأخواتنا من الشهداء،
من القطاع الصحي وغير الصحي،
أولئك الذين قضوا نحبهم في هذه الحرب الضروس و الإبادة.
فقد شاء الله أن تكون دماؤهم شهادةَ عصرٍ تُروى بها فظاعةُ الحرب،
وتُذكّر العالم بأنّ في غزة رجالًا ونساءً و أطفالاً صاغوا البطولة بصمتهم وعطاؤهم.
فطاب صمودكم فخرًا وعزًّا وشرفًا لنا ولكم،
ورحم الله شهداءكم و شهدؤنا الأبرار، وأسكنهم فسيح جنّاته.
بكل المحبة والفخر والتقدير.
نشر هذا المقال في صحيفة عمون