دور المرأة في القطاع الصحي.. بين الواقع و الطموح

تلعب المراة دورًا محوريًا في مختلف المجالات الحياتية ويعد مجال الصحة احد اهم هذه المجالات في منطقة شرق المتوسط وعلى مستوى العالم على حد سواء، ويظهر هذا الدور جليا في ما تقدمه المراة من مساهمات كبيرة وجليلة في مجال الرعاية الصحية ، مكافحة الأمراض المعدية ، توسيع نطاق تغطية التطعيمات المختلفة، وتتميز المراة  ايضا بالقدرة العالية في قيادة المبادرات المجتمعية لما تتمتع به من معرفة و التزام في تنظيم هذه الفعاليات والمبادارات التوعية الصحية وتشجيع المجتمع على تبني الممارسات الصحية كما وتلعب المراة دورًا كبيرًا في نقل المعرفة في مجال التغذية السليمة والنشاط البدني، وكذلك تساهم المراة اسهاما علمياً جليلاَ في إجراء البحوث و الدراسات، و كذلك الكثير من المساهمات الاخرى الجليلة و مجموعة واسعة الطيف من الخدمات الصحية.

ويشير تقرير حالة المرأة والقيادة في السياسة الصحية العالمية آذار/مارس 2023، سلسلة المرأة في الصحة العالمية، ان النساء يشغلن حوالي 70٪ من وظائف العاملين الصحيين على مستوى العالم، وأكثر من 80٪ من وظائف التمريض وأكثر من 90٪ من أدوار القبالة، ويقدمن غالبية الرعاية غير مدفوعة الأجر، الا انه 25% فقط من هؤلاء السيدات يقمن بأدوار قيادية في مجال الصحة، و هذا عكس الوضع الحالي حيث يشكل الرجال ما يقارب 30% من القوى الصحية العاملة و لكنهم يشغلون 75% من الادوار القيادية.

الا انه وفي الكثير من مجتماعتنا ما تزال (الثقافة الأبوية) مسيطرة حيث تعامل المعايير والأدوار القيادية على أنها أدوار للرجل حصريا ، بينما يتوقع من النساء القيام بالأعمال المنزلية أو الاقل قيادية، حيث يمكن لهذه المعايير الأبوية داخل هذه المجتمعات أن تحد من مشاركة المرأة في القوى العاملة،و لدينا شواهد كثيرة من دول مختلفة على انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل و بالتالي انخفاض مشاركتها في المؤشرات الاقتصادية الوطنية، وعلى الرغم من ارتفاع تعليم الإناث في العديد من دولنا ، فما زالت معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة محدودة وقد تكون راكدة احياناٌ.

ومن حيث بيئة و فرص العمل فان من اهم المعوقات التي تحد من انخراط النساء بشكل أوسع هو عدم تفضيل السيدات العاملات في بعض المؤسسات الصحية من قبل اصحاب أو مدراء العمل كطبيعة العمل الميداني او نظام المناوبات او التعامل مع الجمهور أو المجتمع المحلي و تفضيل بان يكون رجل لاسباب مختلفة مثل طبيعة العمل و التخصص و المهارات اللازمة، و غالبا فان السيدات في مجتماعتنا لا يحصلن على فرص تقدم وظيفي متساوي مع الرجال الذين لديهم نفس الخبرة والمؤهلات، و طبعا لا نستطيع ان نغفل المحسوبية و الواسطة من جهة اخرى.

تختلف و تتفاوت القوانين و السياسات التي تمكن السيدات من فرص و بيئة العمل بما فيها القطاع الصحي من بلد إلى آخر، و عموما تكون هذه القوانين و السياسات غير مفعلة تارة أو غير مطبقة بشكل كاف تارة اخرى، و إن مجرد إدخال السياسات و القوانين و السياسيات المستنسخة من البلدان الأخرى غير كاف و في كثير من الاوقات لا يؤتي اكله، ولكي يكون هذه القوانين و السياسات تأثير ايجابي و ذو مغزى و فائدة، يجب أن تكون هناك تدابير و برامج مصاحبة لتسهيل التنفيذ وتعزيز و تغيير الثقافة المجتمعية ضمن الثوابت المجتمعية.

ان تمكين النساء في مجال الصحة كغيرها في المجالات لا يقوي الأنظمة الصحية فحسب، بل يعزز أيضًا التنمية المستدامة، مما يؤدي إلى تحقيق مجتمعات أكثر صحة و رفاهية وعدالة بشكل عام، و ان تشجيع و استقطاب المزيد من النساء إلى وظائف القيادة في القطاع الصحي، سوف يجعل النساء العاملات الصحيات اكثر تمكينا من حيث الدخل والاستقلالية، مما يعود بالنفع على الأسربشكل خاص والمجتمع بشكل عام و كذلك رفع و تحسين النموالاقتصادي و بالتالي تعود بفوائد أوسع في هذه المجتمعات.

واننا ما زلنا نرى الطريق طويلا للوصول الى المستوى المطلوب من العدالة في حصول المراة على ما تستحقه، و لكننا مؤمنون بدور المرأة في تحسين المستوى الصحي للمجتمعات و كذلك قدرتها على القيادة الكفؤة على كافة المستويات القيادية المختلفة، وان تمكين المرأة حق و واجب و ليست هبة او منه و لا نملك الحق في التغافل عنه مطلقا في الوقتى الحاضر ولا مستقبلا.