النشأة والتعليم

في حب المعرفة واحترام الآخر

ولد الدكتور مهند النسور وترعرع في ربوع السلط الأبية، تلك المدينة التي تقع في وسط الأردن والتي اشتهرت عبر الزمن بنسيجها الاجتماعي المتنوع والمعترف بها على قائمة التراث العالمي لليونسكو بوصفها “مكان التسامح والضيافة الحضارية”. نشأ الدكتور النسور في أسرة تولي للتعلم اهتمام جلي، حيث ألهمه والده رحمه الله، وهو محامٍ معروف في المدينة، ووالدته رحمها الله، وهي مديرة مدرسة ومربية فاضلة، حب المعرفة. كما ساهم إرث جده لأمه في تعزيز التزام الدكتور النسور بطلب العلم مدى الحياة وحتى آخر نفس.

في مرحلة المراهقة المبكرة في السلط، نال اعجاب واهتمام الدكتور النسور الإنسانيات، خصوصًا الشعر وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، وفي حين أنه كان يريد الالتحاق في مساقات ذات صلة على مستوى الدراسة الجامعية ، إلا أنه بدل رأيه واتجه نحو دراسة الطب لتلبية رغبة والده، مقتنعا لاحقا بأن مجال الدراسة في الصحة يكمن في صلب التجربة الإنسانية ومن شأنه أن يعمق فهمه للإنسانيات. وفي سن الثامنة عشرة، انتقل من التضاريس الجبلية في السلط إلى سهول أوديسا في جنوب أوكرانيا لدراسة الطب في جامعة أوديسا الوطنية الطبية. وفي أورويا الشرقية، انخرط الدكتور النسور في دراسة الطب وانغمس في تثقيف نفسه بإرثها الغني من الأدب والشعر والتاريخ وهناك ترسخ لديه التقدير للإختلاف والتنوع الثقافي.

ولدى عودته إلى الأردن في أواخر التسعينيات، أكمل دبلومًا في علم الأوبئة الميداني ثم حصل على شهادة في الطب المجتمعي من المجلس الطبي الأردني. وخلال فترة قصيرة، تم تعيينه رئيسًا لقسم المراقبة والرصد في مديرية صحة البلقاء، التي تخدم مسقط رأسه السلط. وتبع ذلك حصوله على منحة لدراسة درجة الماجستير في علم الأوبئة من الجامعة الأمريكية في بيروت.

عند وصوله إلى بيروت في أوائل الثلاثينيات من عمره، في فترة انتقالية كبرى للبلاد، تأثر بعمق بالمشهد الثقافي والفكري في المدينة حيث أثرت فترة تواجده في لبنان وبشكل عميق شخصيته ومساره المهني.

وبعد إتمام درجة الماجستير، حصل الدكتورالنسورعلى منحة من الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) لمتابعة دكتوراه في علم الأوبئة من جامعة غلاسكو في اسكتلندا، حيث كان موضوع رسالته حول نسب النجاة من سرطان القولون والمستقيم في الأردن من 2003 إلى 2007.

المسيرة المهنية

في صنع التغيير

لقد تجسد تقدير  الدكتور النسور للتنوع واحترام الثقافات  من خلال عمله في مجال الصحة العامة، خصوصًا لخدمة المجتمعات الهشة والضعيفة في المنطقة حيث يسهم عمله في العدالة الصحية وفي سد الفجوات الصحية في تحقيق عالم يعزز الشمولية والتشارك والتسامح.

لقد كان التفوق الأكاديمي للدكتور النسور انعكاسا لقناعته بأن المعرفة والثقة بالنفس والعمل الجاد يمكّن الفرد من التميز، اذ دفعت هذه القناعة الدكتور النسور للبحث عن مناصب قيادية تمكنه تحقيق أهداف طموحة وإنجازات مميزة.

كانت أولى المناصب هي كمدير لبرنامج التدريب على علم الأوبئة في الأردن، ومن هنا برزت أولى إنجازاته على الصعيد المهني، حيث أدرك هو وزملاؤه من برامج بلدان المنطقة ومن أنحاء العالم الحاجة إلى إنشاء برامج تدريب إضافية ضمن حدود منطقة شرق المتوسط وفكروا في تشكيل شبكة لدعم إنشاء المزيد من هذه البرامج وكان ثمار نقاشاتهم عبر سنة كاملة تأسيس الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية أمفنت لشرق المتوسط  في عام 2009، وتعيين الدكتور النسورمديرًا تنفيذيًا لها.

ومنذ ذلك الوقت، قاد الدكتور النسور نحو إسهامات لتعزيز الأمن الصحي العالمي وعلم الأوبئة في المنطقة رغم صعوبة ظروف بلدانها، حيث توسعت شبكة أمفنت من 3 إلى 15 برنامج تدريب في علم الأوبئة على مدى 15 عامًا، كما ساهم عمله أيضًا في تعزيز تعليم الصحة العامة، والأبحاث ذات الصلة، وتطوير الشراكات، وتنفيذ البرامج الملائمة للبلدان للتعامل مع التحديات الصحية الناشئة. وكمدير تنفيذي لـأمفنت، يُعرف عن الدكتور النسور قيادته الاستراتيجية وقدرته على تعزيز التعاون عبر البلدان والقطاعات المتنوعة لتعزيز صحة المجتمعات وبخاصة الهشة منهم.

وللدكتور النسور إسهامات مهنية خارج نطاق أمفنت، حيث يدعم الدكتور النسور مبادرات إقليمية وعالمية عدة بفضل خبرته الواسعة فهو نائب لرئيس اللجنة التوجيهية للشبكة العالمية للإنذار بحدوث الأوبئة والاستجابة لها (GOARN) وهوعضو اللجنة التوجيهية لخارطة طريق القوى العاملة الصحية الوطنية في مجال التأهب والإستجابة للطوارئ في منظمة الصحة العالمية، وفريق القيادة الاستراتيجية ل FETP Enterprise (SLG)، ولجنة استعراض تعديلات اللوائح الصحية الدولية، ومنتدى سياسات الصحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمجموعة الاستشارية لمجلة “ذا لانسيت”، بالإضافة إلى العديد من الهيئات الأخرى. والدكتور النسور مؤسس الأكاديمية الدولية للصحة العامة.

ورغم الأنجازات المهنية المتعاقبة يواصل الدكتور النسور مسيرته نحو التعلم والابتكار في الصحة العامة اذا يعمل للبحث عن شراكات وحلول جديدة لتعزيز صحة المجتمعات محليًا وإقليميًا وعالميًا.