جنوب أفريقيا – دولة بحجم الكون

تتجه أعين العالم اليوم نحو دولة جنوب افريقيا والتي جاءت من بعيد، لتسرد على مدى ساعات طويلة صعبة في محكمة العدل الدولية في مداخلة قانونية متميزة لتصبح أول دولة تقدم دعوى ضد الكيان الاسرائيلي مقابل ما يقوم به من جرائم حرب الابادة الجماعية التي يخوضها الان في غزة ، فالمعركة القانونية التي تخوضها جنوب افريقيا والتي تابعها الملايين لفتت الأنظار فيها بصلابتها وبلاغة محاميها القانونية في تقديم الحجج والبراهين الدامغة.

انه ليس بغريب على دولة عظيمة كجنوب افريقيا وشعبها الحر ان تستعيد ذكرى العظيم نيلسون مانديلا أيقونة الكفاح لتشحذ همم العالم الحر ولتقف وتدافع عن حقوق الانسان والشعوب المضطهدة وتتصدرالمشهد هذه الايام لفضح وسرد الحقائق و إماطة اللثام عن الفظائع التي يقوم بها المحتل الغاصب تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أمام المحافل القضائية الدولية، كيف لا و دولة جنوب افريقيا عانت الكثير من الظلم مما جعلها الاقرب للمظلومين.

دولة بنيت على التحرر والعنفوان في ظل سياسة الفصل العنصري التي مورست بحق شعبها طيلة عقود طويلة حتى نالت جنوب افريقيا استقلالها بعد تقديم تضحيات كبيرة من ارواح مواطنيها الابرياء، الذين ضحوا بالغالي والنفيس ثمنا للحرية حتى استطاعوا دحر العنصرية والاستعباد.

لقد كانت لحظات تاريخية لا تنسى تلك التي ذاق شعبها طعم الحرية، واصبحت دولة مستقلة وشعبا يتميز بالعزة يتطلع لمستقبل مشرق ولبناء وطن حضاري يعيش ويتعايش مع العديد من الاجناس و الاعراق دون تمييز، حتى غدت دولة تزاحم كبار الدول في التطور الحضاري والتكنولوجي المشهود له على المستوى العالمي بشعب متسامح ينبض بالحرية.

لقد كان لي شرف زيارة جنوب افريقيا قبل ما يقارب خمسة عشر عاما، ولقد شعرت بالقرب والدفء من هذا البلد الطيب، حتى كانت احدى امنياتي لو خيرت بالعيش والتقاعد في بلد اخر غير وطني لاخترت العيش في جنوب افريقيا الذي لطالما سحرتني طبيعتة الخلابة وادهشني مدى التطور العلمي والحضاري فيه وزاد من اعجابي فيه يوما بعد يوم شغف شعبها للحرية التي لطالما كانت حلما لاخوة التراب و الدم والمستقبل في فلسطين الابية. لقد كانت زيارتي تجسيدا حيا لتلك المشاعر التي غمرتني خلال تجوالي وزيارتي لنصب صانع الحريات ومحقق الاحلام والطموحات العظيم نلسون مانديلا أسد الحرية ومشعلها الذي اضحى رمزاً من رموز التحرر البشري من كافة أشكال العبودية والعنصرية . الذي ناضل دون يأس لنيل الحرية ليس لنفسه فقط وانما لشعبه الذي قاده للنضال وآمن بوصوله الى الحرية واعتمد مبدا التعايش عقيدة له رغم انف العنصريين واعداء الحرية والانسانية، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تعيشها جنوب افريقيا، الا ان الحديث عن الظلم والحريات وعن كرامة الشعوب يأتي في مراتب متقدمة في المجال. استطعت الربط بين جنوب افريقيا وبيننا نحن العرب عندما تسنى لي الوقوف على راس الرجاء الصالح لاستحضر في ذهني حضارة مضت حملت في ثنايها عناصر الربط بين شعوبنا في مجالات مختلفة . حيث كان العمل على التواصل والترابط وتعزيز الروابط الانسانية، كما انني دهشت وانتابني شعور الاعجاب لوجود حائزين على جائزة نوبل يعيشان في نفس الحي و في نفس الشارع احدهما الاسطورة نلسون مانديلا و الاخر لا يقل اهمية و هو فريدريك دي كلارك، وقد نالا هذه الجائزة عن استحقاق وليس ترضية او تواطأ، ، تكريما لهما لدفاعهما عن الكرامة الانسانية وهذا ان دل على شيء فانما يدل على عظمة هذا الشعب، وستبقى جنوب افريقيا دولة راسخة الجذور تدافع عن الحق في كل مكان وزمان، وعلينا التعلم منها و العمل فورا على بناء هوية وطنية انسانية تميزنا عن بقية الشعوب و في نفس الوقت نتكامل معها.

دولة جنوب افريقيا قد نتفق او نختلف معها في بعض الجوانب الا انه من الواجب علينا تذكر موقفها الانساني النبيل والمشرف الذي بات هو العنوان الرئيس للاحداث الدائرة الان (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).

كل الشكر لجنوب افريقيا وشعبها الحر، لقد اثلجتم صدورنا بما قمتم به تجاه قضيتنا الفلسطينية، كما عهدناكم دوما دولة الحرية والأحرار.

نشر هذا المقال في جريدة الدستور الأردنية